المسرح يختارنا أم نحن نختاره؟







طالما اتّسم المسرح بشيءٍ من الغرابة، لكن لا شيء فيه يبدو أكثر غرابة من خيارات الممثلين أنفسهم. لماذا، مثلًا، يدير ريتشارد بورتون ظهره لدور الملك لير الذي طالما حلم بأدائه، ليذهب في جولة إقليمية لعرض "كاميلوت" الذي سبق أن قدمه قبل عشرين عامًا؟ وما الذي يدفع ماري تايلر مور، وهي صاحبة باع طويل في التمثيل، إلى أن تحلّ محل توم كونتي في مسرحية "حياة من؟"، بعد أن رفضها نجوم كبار مثل جون فويت، داستن هوفمان، وميريل ستريب؟ وكيف ينتهي الأمر بثلاثة من عمالقة المسرح – جولي هاريس، جيرالدين بيج، وريب تورن – إلى تلقي تقييمات سلبية في عرض مثل "الأزواج المختلطة"؟ ولماذا يقبل جورج سي سكوت بدور في مسرحية "حيل التجارة"، التي أُغلقت في ليلة افتتاحها؟

الجواب ببساطة هو أن اختيار الأدوار لا يخضع دائمًا للمنطق. فمعظم الممثلين لا يملكون ترف الاختيار؛ فرص العمل قليلة، وكل دور يُعد فرصة لاكتساب الخبرة أو البقاء في دائرة الضوء. أما النجوم الذين يُطلبون باستمرار، فالأمر أكثر تعقيدًا. يدخل في الاعتبار عوامل عديدة: طبيعة الدور، مستوى النص، اسم المخرج، الفريق التمثيلي، نصائح الوكلاء، العروض المالية، وحتى ظروفهم الشخصية والعائلية.

ورغم أن قرار قبول الدور غالبًا ما يكون مبنيًا على حدس داخلي، فإن دراسة هذه المعادلة تفتح الباب لفهم أعمق لأزمات الممثل، وتُسلّط الضوء على التغيّرات التي طرأت على المسرح نفسه.

أولاً، لا تُكتب مسرحيات جديدة وعظيمة بكثرة، حتى للنجوم. والمسرحيات التي تُناسب مهارات ممثل معين نادرة. مثلًا، انتظر جيم ديل ستّ سنوات بعد نجاحه في "سكابينو" ليجد نصًا مناسبًا مثل "بارنوم"، وفي هذه الأثناء عمل في أفلام ديزني مؤقتًا.



أما غالبية الممثلين فلا يملكون رفاهية الانتظار. على سبيل المثال، تتلقى كولين ديوهورست خمس أو ست مسرحيات شهريًا، وغالبًا ما تجدها غير مقنعة. وتقول: "يصعب علينا أن نجد ما يحمسنا. أحيانًا نوافق على مسرحية ونقول: ليست ممتازة، لكنها ليست سيئة... ربما يحدث شيء سحري أثناء البروفات".

تشير التغيّرات الاقتصادية إلى أن المسرح لم يعُد يُكرّس لخدمة الممثل، بل صار الممثل يخضع لطبيعة الدور المتاح. في الماضي، كان الممثل يُمنح أدوارًا مصممة له خصيصًا، ويعمل مع كاتب أو منتج يدعمه، كما فعل كُتّاب مثل جيمس باري أو كول بورتر مع نجوم زمانهم. أما اليوم، فأصبح هذا التعاون نادرًا.

تقول المنتجة إليزابيث ماكان: "لم تعد هناك فرص كثيرة للممثل المعروف. لم يعد للجمهور ولاء للممثلين كما في السابق. في الماضي، كان الناس يذهبون لرؤية جولي هاريس أو جيرالدين بيج مهما كان العرض. أما اليوم، فإذا لم تكن المسرحية ناجحة بحد ذاتها، فلن يهم من يشارك فيها".

المال، بالطبع، عامل مهم. لا أحد يذهب للمسرح من أجل المال فحسب، بل يستخدم كثير من الممثلين أرباحهم من السينما والتلفزيون لتمويل شغفهم المسرحي. وقد استخدم نجوم مثل لورنس أوليفييه وكاثرين هيبورن السينما كوسيلة لدعم ظهورهم المسرحي، بل ولبناء مجدهم الشخصي من خلالها.

بعضهم يرى في المسرح وسيلة لإحياء مسيرته، كما فعل جورج سي سكوت. لكن الطريق ليس دائمًا ممهدًا، فمسرحيته الأخيرة أُغلقت في أول ليلة. والبعض الآخر، مثل والد يوجين أونيل، وجد في تكرار نفس الدور الأمان المالي، حتى لو كان ذلك على حساب الطموح الفني.

في النهاية، يقول جيمس إيرل جونز: "العمل نادر، وإذا وجد الممثل فرصة لتقديم دور متكرر يضمن له الاستقرار، فقد يعتبر نفسه محظوظًا". وهو يرى أن الممثل لا يُبدع في دور ما لأكثر من ستة أشهر، ثم تبدأ دوافعه بالانطفاء. ومع ذلك، لا يمانع كثير من الممثلين في الالتزام بجولات طويلة أو مسلسلات تلفزيونية إن ضمنت لهم الاستمرارية.

أخيرًا، تبقى الجولات المسرحية الوطنية – وخاصة إحياء المسرحيات القديمة – من أكثر الفرص ربحًا، حتى وإن كان الرضا الفني محل شك. فبعضها يُدرُّ على الممثلين ما يصل إلى 50 ألف دولار في الأسبوع.






تعليقات

اسئالني